فصل: الأول في ألفاظ القذف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الأول‏:‏ في السبب

وفي الجواهر‏:‏ ضابطه انتهاك الفرج المحرم بالوطء المحرم في غير ملك ولا شبهة‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ له عشرة شروط‏:‏ البلوغ، والعقل، والإسلام، وعدم الشبهة في الموطوءة بملك أو نكاح، ومغيب الحشفة في قبل أو دبر‏.‏ وكونهما غير مكرهين، ولا جاهلين بالتحريم، فهذه في الجلد‏.‏ وفي الرجم‏:‏ الإحصان، والحرية أصاب آدمية حية في سن من يطيق الرجل‏.‏ واختلف في مقارب البلوغ، وفي النصراني، وفي المصيب صغيرة لا تطيق الرجل، أو ميتة أو بهيمة، والمكره، والجاهل بتحريم الزنا‏.‏ ففي المدونة‏:‏ إن لم يحتلم وأنبت يحد‏.‏ وكرهه ابن القاسم لعدم التكليف‏.‏ والأول لحديث بني قريظة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل من ينظر إلى الموقوفين، فمن أنبت جرى عليه حكم الرجال‏.‏

وفي المدونة يحد بالصغيرة إذا كان مثلها يوطأ، وإلا فلا‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ يحد وإن كان بنت خمس سنين‏.‏ وفي كتاب الرضاع‏:‏ يحد بالميتة؛ لأنها آدمية محرمة الوطء‏.‏ وفي الزاهي‏:‏ لا يحد؛ لأنها لا تشتهي غالبًا‏.‏ ولا خلاف أنه لا صداق لها‏.‏ وإن زنى بنمائة حد ولها الصداق‏.‏ ولا يحد بالبهيمة عند ابن القاسم لتعذر؛ قياسها على الآدمية بقيام الفارق‏.‏ وفي الثاني‏:‏ حد؛ لأنه فرج محرم، وعن مالك‏:‏ لا يحد النصراني ويرد إلى أهل دينه، ويعاقب إن أعلنه، وقال المغيرة‏:‏ يجلد بكرًا أو ثيبًا، وإن استكرهت هي لم تحد، وإن أكرهته حدت، وفي حده قولان‏.‏ وإن أكرها جميعًا لم يحدا، ويختلف فيه بناء على الإكراه يتأتى معه الزنا أم لا‏.‏ والصحيح يتأتى؛ لأن الزنا لا يتوقف إلا على إيلاج الحشفة في الفرج، وهو غير متوقف على الانتشار؛ ولأن اللذة والانتشار طبيعتان عند ملاقاة الملتذ، فلا يمنعهما الإكراه كاللذة بالشم والذوق‏.‏ والإكراه لا يجوز الإقدام لحق المرأة، وإن كان بالقتل‏.‏ وإن فعل أثم، وعليه الصداق‏.‏ وإن استكرهته هي بالقتل جاز الإقدام؛ لأنها أباحت نفسها‏.‏

وأوجب في الكتاب الحد على الأعجمي وحديث الإسلام والجاهل بالتحريم‏.‏ ومنعه أصبغ لعدم وجود الجرأة على محارم الله، وإن كان احدهما مجنونًا أو صغيرًا، حد العاقل البالغ، وعوقب المجنون والصبي؛ استصلاحًا له ‏(‏كتأديب البهيمة إن لم يطبق المجنون‏)‏، أو أحدهما نصراني، حد المسلم‏.‏ وفي النصراني ثلاثة أقوال‏:‏ يعاقب، يحد، ينتقض عهده‏.‏ ويحد المسلم بالحربية إن زنى بها في أرض الإسلام، وكذلك أرض الحرب عند ابن القاسم خلافًا لعبد الملك؛ لعدم استقرار الملك في أرض الحرب‏.‏ وفي جارية من المغنم قولان‏.‏

وفي هذا النظر ستة عشر حكمًا‏.‏

الأول‏:‏ في كتاب القذف‏:‏ إذا جهلت البينة الموطوءة حد، إلا أن يثبت إباحتها، أو يكونوا طارئين، فلا شيء عليه إذا قال هي امرأتي أو أمتي، وأقرت له بذلك‏.‏ إلا أن تقوم بينة بخلافه؛ لأن الأصل عدم المبيح، ولأن شأن النكاح الإعلان‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ سواء وجد مع امرأة يطؤها، أو أقر بذلك وادعى المبيح‏.‏ ولا تقبل فيه شهادة أبيها ولا أخيها، إلا أن يكون سمع وعرف، فلا يحد‏.‏ ولا بد من جديد عقد بعد الاستبراء‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ إن قال وطئت فلانة بنكاح، أو اشتريت أمة فلان فوطئتها، لا يكلف بينة، وإنما يكلف إذا وجد معها يطؤها‏.‏ ‏(‏قال ابن حبيب وقاله علماؤنا‏)‏، وقد غلط فيه بعض من يشار إليه‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ وإن رأوه يطأ، ولم يعلموا حالها، فقال‏:‏ كانت زوجتي وقد طلقتها، أو أمتي وقد بعتها وهو معروف أنه غير ذي امرأة ولا جارية، صدق، ولا تلزمه بينة، ولو وجد معها كلف البينة إن لم يكن طارئًا؛ لأنه أحدث في معينة نكاحًا وملكًا وهي تعرف بغير ذلك، والأول ادعى مجهولة، ولو لم يدع ذلك وقال كذب الشهود، حد‏.‏

الثاني‏.‏ في الكتاب‏:‏ إذا تزوج خامسة أو مبتوتة منه ثلاثًا قبل أن تنكح غيره، أو أخته من الرضاعة أو النسب، أو ذات محرم عالمًا بالتحريم حد، ‏(‏ولا يلحق به الولد؛ لضعف العذر فيهن‏)‏، أو امرأة في عدتها، أو على خالتها أو عمتها، أو نكاح متعة، عوقب ولا يحد‏.‏ في النكت‏:‏ لأنه تحريم بالسنة، ويحد في الجمع بين أختي النسب لتحريمه بالكتاب، وهو أصل يعتمد عليه، والفرق بين الواطئ أمة يدعي شراءها، فيطالب البائع باليمين‏.‏ فينكل، فيسقط الحد عن الواطئ إذا حلف وقضي له بها، وبين السارق يدعي على رب المتاع أنه يعلم أنه له فينكل، أن القطع يتحتم، وإن حلف السارف واستحق المتاع، أن شأن الوطء الشهرة بخلاف المتاع‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ روي عن النبي - عليه السلام - ‏(‏ادرأو الحدود بالشبهات‏)‏، وروى الثوري عن إبراهيم‏:‏ ‏(‏خطأ الحاكم في العفو خير من الخطأ في العقوبة‏)‏ ويريد ابن القاسم في ذوات المحارم والمبتوتة والخامسة ونحوهما، إلا أن يعذر بالجهالة فلا حد عليه‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن ادعى نكاحها، وصدقته هي ووليها، وقالوا‏:‏ عقدنا ولم نشهد ونحن نشهد الآن، حد الرجل والمرأة إلا ببينة غير الولي للتهمة، وإن جلدا بعد انتفاء النكاح بغير الاستبراء‏.‏ وإن ادعى شراء الأمة فنكل البائع، وحلف الواطئ، درئ عنه الحد؛ لأن الوطء شأنه الكتمان‏.‏ قال ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ إن كانت بيده لم يحد ولحق به الولد، ويحلف البائع ما باع، ويأخذها ويتبعه بقيمة‏.‏ وإن لم تكن في يده حد إذا لم يعف بجور، ولا يلحقه الولد، ويحلف السيد ويأخذها وما ولدت، فإن نكل، حلف الواطئ، وبقيت له أم ولد، ولا يلحقه الولد؛ لأنه حر، ولا يسترق الولد ولا أمته؛ لإقراره بمانع ذلك، ولا يسقط الحد بنكول السيد؛ لأن تصديقه لا يسقط الحد، ولا يسقط بشاهد مع إقرار السيد، ويسقط بشاهد وامرأتين استحسانًا؛ لأن ذلك يوجب الملك، وخالفه ابن القاسم فقال‏:‏ إذا نكل السيد حلف الواطء وصارت له، ويسقط الحد، وقال‏:‏ إذا أعتق عبد ومال، فشهد رجل وامرأتان بدين، يريد العتق، وكذلك لو حلف مع الشاهد أو لم يقم شاهدًا، وطلب تحليف المعتق، فنكل، وحلف، وكذلك إن تزوج أمة، وأقام سيدها رجلاً وامرأتين أن زوجها ابتاعها منه، حرمت على زوجها، مع امتناع شهادة النساء في العتق والطلاق‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ ليسأل الشهود عن كيفية الرؤية والفعل، فإن ظهرت ريبة؛ بطلت الشهادة، وإذا قبلت قبل قوله‏:‏ إنه بكر فيدسه، إلا أن يشهد بالإحصان شاهدان، فيرجم؛ لأن الأصل عدم الزواج، ولا يقبل في الإحصان شهادة نساء معهن رجل أم لا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ لا يسأله أبكر هو حتى يكشف عنه، فإن وجد علمًا وإلا سأله، وقبل قوله بغير يمين‏.‏ قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏ إن غاب الشهود قبل أن يسألوا غيبة بعيدة، أو ماتوا، أقيم الحد إن كانوا من أهل العلم بما يجب به الحد‏.‏ قيل لابن القاسم‏:‏ إن أقر هل يسأل كما تسأل البينة‏؟‏ قال‏:‏ الذي جاء في الحديث ‏(‏أبصاحبكم جنة‏؟‏‏)‏، ولم يسأله‏.‏ قال اللخمي‏:‏ هو كالبينة، يسأل إن أشكل أمره‏.‏ وفي البخاري‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ماعزًا - بالنون والكاف -‏.‏ قال محمد‏:‏ إن قال إذا شهدت البينة‏:‏ أنا عبد، وهو محصن، لم يصدق؛ لاتهامه بإيثار الرق على القتل، وإن كان بكرًا صدق، كذلك في القذف والشرب، يحد حد العبد؛ لأنه لا يتهم في إرقاق نفسه‏.‏ قال اللخمي إن لم يكن طائرًا لم يعجل رجمه إن كان ثيبًا، ولم يصدق أن كان بكرًا وكلف بيان لمن هو مملوك، فإن تبين كذبه حمل على أحكام الحر، أو صدقه فأحكام العبيد، وإن كان طاريًا وبلده قريب فكذلك، أو بعيد ثم قرينه عجمة لسان، أو تغير لون تقم أحكام الأحرار، وإن لم تكن قرينة، وقال‏:‏ أسجن حتى يثبت أني عبد، لم يرجم، وكذلك الجواب إن قال‏:‏ هو يهودي أو نصراني‏.‏

الخامس‏:‏ في الكتاب إن قالت‏:‏ زنيت مع هذا، وقال‏:‏ هي زوجتي، أو وجدا في بيت فاقرا بالوطء، وادعيا النكاح، ولم ياتيا ببينة، حدا؛ لأن الأصل‏:‏ عدم السبب المبيح‏.‏ ويحد واطئ الصغيرة يوطأ مثلها‏.‏ والمرأة يطؤها صبي يجامع مثله وإن لم يحتلم، ولا حد عليها، بخلاف أن يطأها مجنون؛ لأن اللذة تحصيل مقصود الوطء مع الأنزال‏.‏ ويحد المسلم بالذمية، وترد هي لأهل دينها، ويجب الحد والصداق في المجنونة والنائمة والمغصوبة‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ لا صداق للصغيرة على البالغ، قال ابن يونس‏:‏ وإن كان غير البالغ يلتذ به وتنزل المرأة بجماعه، ينبغي أن يكون عليها الحد؛ لنيلها ما ناله الكبير من الصغيرة‏.‏ ويحد الحي بالميتة، ولا صداق، كما لو قطع عضوًا لم يلزمه أرش، وآتى البهيمة يؤدب ولا يحد، وإن غصب امرأة فالحد والصداق، وقال أشهب‏:‏ إن أقرت أنها زنت، وقال‏:‏ أنا تزوجتها، لا حد عليه؛ لأنه لم يعترف بوطء إلا في نكاح، وتحد هي، بخلاف إن أخذ مع أمرأة، فادعى نكاحها؛ لأنه أخذ فهو يدفع عن نفسه‏.‏ وسوى بينهما ابن القاسم‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا يعذر العجم بدعوى الجهالة، ولا المرتهن باعتقاد الحل في المرهونة عنده، ولم يأخذ مالك بما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏زنيت بمرغوس بدرهمين‏)‏‏.‏ في التنبيهات، يقال‏:‏ بفتح الميم وسكون الراء والغين المعجمة وسين مهملة، يعني أسود، وقيل‏:‏ اسم عبد أسود مقعد، وقيل‏:‏ قوله بدرهمين، ‏(‏تفسير لمرغوس‏)‏‏:‏ أي‏:‏ بدرهمين وهو ضعيف؛ لأن عمر - رضي الله عنه - استفهمها، وكانت نوبية معتقة لحاطب بن أبي بلتعة، فقالت‏:‏ بدرهمين من مرقوص - بقاف -‏.‏ قال الشيرازي في طبقات الفقهاء‏:‏ وقعت في خلافة عمر - رضي الله عنه - فاستشار عبد الرحمن بن عوف وغيره، فقالوا‏:‏ عليها الحد، وقال عثمان من بين الجمع‏:‏ لا حد عليها؛ لأنها يظهر أنها تعتقد أنها ما صنعت مكروهًا، والحدود إنما هي لمن يعتقد ذلك، فأخذ عمر - رضي الله عنه - بقوله‏.‏ ‏(‏فهو أثر لا حديث‏)‏‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ العارية والمستأجرة كالمرهونة، وإنما ترك مالك الحديث؛ لأن الزنا اليوم اشتهر تحريمه بخلاف ذلك الزمان، وأخذ أصبغ بحديث مرغوس، ودرأ الحد عن الجاهل للزنا كالسبي ونحوه‏.‏

السابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن اشترى من يعلم بحريتها حد إن أقر بوطئها، وقال ابن القاسم‏:‏ لا تحد هي إن أقرت له بالملك، وقال الأبهري‏:‏ تحد إن علمت أنها حرة؛ لأنها يلزمها أن تمنعه نفسها، أو تدعي الحرية، فلعله يصدقها، أو يكف عنها، فإن أكرهها فلا، حد عليها‏.‏

الثامن‏:‏ في الكتاب‏:‏ شروط الشهادة في الزنا‏:‏ أن يشهد أربعة في وقت واحد، وعلى وطء واحد، في موضع واحد بصفة واحدة؛ لأنهم مأمورون بالستر، فحيث خالفوا شدد عليهم، ولأن الزنا فعلان، فاحتاج كل منهما إلى شاهدين، ويسألهم الإمام، فإن وصف ثلاثة، وقال الرابع‏:‏ رأيته بين فخذيها؛ حد الثلاثة للقذف، وعوقب الرابع، وإن لم يصفوا، حدوا للقذف دون المشهور عليه، وإن شهد اثنان أنه زنى بها في قرية كذا، وقال الأخران‏:‏ قرية أخرى، حدوا كلهم للقذف‏.‏ وكذلك بالفعلين المختلفين‏.‏ قال الطوطوشي، إن شهد الأربعة على فعلين، أو عن موطوئتين، قولان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا ينظر القاذف ويحده، ومن شهد معه بأن فعل، فأتى القاذف بالشهود فشهدوا في وقتين قبلت، وحد الزاني، قال محمد‏:‏ إن ادعى بينة بعيدة، حد، وإن جاء بهم بعد ذلك سقطت عنه الجرحة، وإذا وصف ثلاثة دون الرابع، قيل‏:‏ لا عقوبة على الرابع، ولو شهد اثنان بالزنا في زاوية بيت، واثنان في زاويته الأخرى، لم يحد‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ لا يضر الاختلاف في الأيام والمواطن، أتوا مجتمعتين أو مفترقين، وقال ‏(‏ش‏)‏، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ وأحمد، لنا‏:‏ جماع الصحابة - رضي الله عنهم - فإن عمر - رضي الله عنه - جلد أبا بكرة وصاحبيه حين شهدوا على المغيرة بالزنا، ولولا أن الإجماع شرط لكان ينتظر الرابع، وذلك أن أبا بكرة وأصحابه كانوا في غرفة، فهبت الريح، ففتحت الباب، فرأوا أسفل الدار المغيرة بن شعبة بين رجلي المرأة، فقالوا‏:‏ قد ابتلينا بهذا، فلما خرجوا للصلاة تقدم المغيرة وكان أميرهم فقالوا‏:‏ لا ندعك تتقدم، وقد رأينا منك ما رأينا، فقيل‏:‏ إن هذا واليكم فاكتبوا فكتبوا، فدعاهم عمر فشهد ثلاثة فلما تقدم زياد، قال عمر بن الخطاب‏:‏ رجل شاب، أرجو أن لا يفضح الله على لسانك رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ رأيت استا يربو، ونفسًا يعلو، ورجلان كأنهما أذنا حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فقال عمر‏:‏ الله أكبر، ودرأ الحد عن المغيرة، وحد الثلاثة ولم يسألهم عن رابع، فلما جلد أبا بكر، قال‏:‏ أشهد ألف مرة أنه زنى، فهم عمر بجله من الرأس، فقال علي‏:‏ إن كنت تريد أن تجلده فارجم صاحبك‏.‏ وهذه قضية بمشهد الصحابة - رضي الله عنه - وانتشرت ولم ينكر أحد‏.‏ ومعنى قول علي‏:‏ أنه إن كان هذا قذفًا، فالأولى شهادة، فقد كملت الشهادات أربعًا‏.‏ وإن كان الأول قذفا، فهذا إعادته، فما تجدد شيء، بل أعاد الأول، وقد ترتب على ذلك موجبه، ويحتمل‏:‏ إن جلدت هذا مع أنه ليس عليه جلد فارجم الآخر وليس عليه رجم، فإن قيل‏:‏ كيف ساغ له أن يلقنه ما يرجع به عن الشهادة مع أنه فيه توج الحد على أصحابه وإنما لم ينتظر رابعًا؛ لأن أبا بكرة وأخاه نافعًا وشبل بن معبد وزيادًا والمغيرة نزلوا في دار، فالأمر محصور بينهم‏.‏

قلنا‏:‏ للإمام عندنا أن يفعل ذلك ويحتال لسقوط الحد، وهو كقوله - عليه السلام - لماعز‏:‏ لعلك قبلت، لعلك لمست، والتحامل عليهم أولى؛ لأنهم كانوا مندوبين إلى الستر، والقضية جرت بالبصرة، وكتب بها إلى المدينة، فمن أين يعلم عمر أنه ليس ثم خامس أو سادس، مع أن الحد يدرأ بالشبهة، ولما استحب التلقين، استحب التأخير، فلما جزم بالحد علم ما قلناه، ولأن الإقرار بالزنا اختص بأمرين‏:‏ التصريح، وعدم الرجوع، فتخص الشهادة بما يؤكدها عن سائر الشهادات، ولأنهم إذا اجتمعوا ثبت الزنا فلم يتحقق القذف‏.‏ احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ثم لم يأتوا بأربعة شهداء‏)‏، ولم يخصص، وبالقياس على سائر الحقوق‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه مطلق في الأحوال، وقد أجمعنا على العمل به في هذه الصورة، فسقط العمل به في غيرها، ولأنا نؤكد ذلك بالمعنى أن الاجتماع ينفي الريبة بخلاف الافتراق، ولأن الأقاويل التي يشترط بعضها في بعض يعيدها افتراق المجلس كالصرف وسائر الروايات، ولأن اجتماعهم يخرجهم عن القذف؛ لحصول موجب الزنا دفعة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق بأن سائر الحقوق لا يتجه على الشاهد فيما شيء، بخلاف الزنا يتجه عليه حد القذف، فاشترط الإجماع دفعًا لحد القذف عن الشهود، ولأن، الافتراق يفضي إلى نقض حكم الحاكم، فإنه إذا لم يكمل النصاب وقد مضى بأن الأول شهادة فيصير قذفًا، وسائر الحقوق لا ينتقض فيها حكم، ولأنه لو قذف ثلاثة لم يكمل عددهم، ثم جاء رابع، لم تقبل شهادته، فعلم أن المجلس شرط‏.‏

نظائر‏:‏

قال أبو عمران‏:‏ تقبل الشهادة إلا في الزنا والسرقة‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا شهدوا على شهادة غيرهم فلا بد من شهادة اثنين على كل شاهد، وإلا كانوا قذفه يحدون‏.‏ وفي المقدمات‏:‏ إذا شهد أقل من أربعة على شهادة أربعة، ففي الكتاب‏:‏ يحدون للقذف، وقيل‏:‏ لا إلا أن يقولوا‏:‏ هو زان، أشهد فلان وفلان بذلك، بخلاف أشهدنا فلان وفلان بذلك، ‏(‏قاله محمد‏)‏، لأنهم لم يصرحوا بنسبة الزنا إليه، وعلى الأول يحد الشهود على شهاداتهم إن أنكروا، وأتى بها واحد منهم، ولو كانوا أقل من أربعة على الخلاف في سقوط شهادة القاذف لتقدم القذف، أو بإقامة الحد وهو مذهب ابن القاسم، وعلى قول محمد تحد الأصول بشهادة الفروع إن كانوا أقل من أربعة، وأنكروا الشهادة، أو واحد منهم، إلا أن يكون الفرع واحدًا فلا يحدون، ويحد هو؛ لانفراده، وقيل‏:‏ لا يحد فيتحصل في الفروع إذا كانوا أقل من أربعة أو نقلوا عن أقل من أربعة ‏(‏أقوال‏)‏‏.‏ ثالثها‏:‏ لا يحدون إن كانوا أكثر من واحد وإلا حدوا، وفي المنتقى‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ يصح أن يكون الشهود هم القائمين بالشهادة، وقال ابن القاسم‏:‏ إن تعلقوا به وأتوا السلطان، لم تجز شهادتهم، وعنه مثل الأول‏.‏

وفي النوادر‏:‏ لو قال اثنان‏:‏ أكرهها، وقال اثنان‏:‏ طاوعته، حد الشهود دونه؛ لاختلاف الصفة، ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏.‏ ولا حد على الرجل والمرأة ولا أدب، وكذلك إذا زنت المرأة وعاينها اثنان، وقال الآخران‏:‏ لا ندري أهي أم غيرها‏؟‏، حدوا دونه، قال في المدونة‏:‏ ولا يشترط في الإقرار، أن يصف بخلاف الشهود إلا أن يستعجل لقوة الإقرار‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يجب الحد بالبينة والإقرار؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم به ماعزًا بالحمل، إذا جهل هل هو من زنى أم لا، ‏(‏قاله عمر وعثمان وعلي وابن عباس - رضي الله عنه - ولم يعلم لهم مخالف‏)‏، وكتم الشهادة مندوب إليه؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا لم يأتوا بالشهداء‏)‏، ولا يأتي القاذف إلا بمن تقدمت رؤيته، ولم يقدح في شهادته كتمه‏.‏

في المقدمات‏:‏ يعتبر إقرار الأخرس إن فهم عنه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يحد بالإشارة؛ لتعذر التفرقة بها بين الحلال والزنا، وهو ممنوع، بل يمكن ذلك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ يكفي من الإقرار مرة واحدة إذا صرح ولم يرجع، ‏(‏قاله مالك‏)‏، فإن لم يأت بعذر، ولا رجع، بل جرى الإقرار جملة، فقال مالك مرة‏:‏ يقبل رجوعه ومنع مرة، فإن جحد الإقرار أصلاً جعله مالك كالرجوع، قال‏:‏ وليس بالبين؛ لأنه رجوع عن القول دون الفعل، ويقبل الرجوع في جميع حقوق الله تعالى من السرقة، وشرب الخمر، والحرابة، إذا أتى بعذر يعرف، وإن لم يأت به يختلف فيه‏.‏ فإن اجتمع حق الله تعالى وحق آدمي في الإقرار، ‏(‏كإقراره بسرقة سعلة من فلان، أو اغتصب فلانة، أو حارب فلانًا وأخذ ماله‏)‏، ثم رجع، لزمه حق الآدمي، وإن أتى في حق الله تعالى بعذر قبل، وإلا حد‏.‏ وقيل في السرقة إن لم يعينها قبل رجوعه، وإلا فلا‏.‏ وأسقط ابن القاسم عن قاذف الراجع عن الزنا خلافًا لأشهب؛ لأن الإقرار لا يتعدى المقر، فيسقط حقه من الحد، ولو كان الإقرار الأول بغصب امرأة، لم يسقط الصداق، ولم يحد بقذفها إن انكرت‏.‏ ويسقط في السرقة القطع دون الغرم، ويشترط في الحمل عدم الزوج والسيد، فإن كانت طارئة صدقت، والمقيمة إن ادعت الغصب، وتقدم ذكر ذلك، وادعته على من يشبه صدقت، وإلا فلا، وإن لم تذكر ذلك إلا بعد ظهور الحمل، حدت، إلا أن تكون معروفة بالخير، فتكتم؛ رجاء عدم الحمل، وطلب الستر، وفعله عمر - رضي الله عنه - في امرأة قالت‏:‏ كنت نائمة فما أيقظني إلا الرجل، فسأل قومها فأثنوا عليها خيرًا، فلم يحدها، وكساها وأوصى بها أهلها، فإن شهدت البينة برؤيته بين فخذيها، قالوا‏:‏ لا تحمل على الوطء، وإن وجدنا منيًا يمكن وصوله لم يحمل الحمل عليه، وحدت؛ لأنها تداعي الإكراه‏.‏ قال مالك‏:‏ إذا غصبها، وبات معها، وقال‏:‏ لم أصبها صدق‏.‏ ولو تزوجها وبات معها وشهدت البينة من الغد بالزنا، رجمت، مع أن المسألتين سواء، وإن كانت تجن فقالت‏:‏ أصابني ذلك حالة الجنون، صدقت، وتحد الأمة بالحمل، وإن كانت ملكًا لامرأة أو لصبي، فإن حملت، وظهر فأنكره ولم تدع أنه منه، أو ادعت، حلف ما أصابها ولقد استبرأتها، ولا تحد؛ لأن دعواها شبهة، وله معاقبتها؛ لأنه أمين على عقوبتا لإصلاح ماله، ويحدها على القول بأن له إقامة الحد عليها بعلمه، وليس ذلك للإمام إذا ادعت على السيد؛ لأن السيد قاطع دون الإمام، فإن كان مع امرأة ولد قالت لم ألده، وشهد شاهدان على إقرارها بولادتها، لا تحد، كما لو شهدوا عليها بالزنا، فجحدت، فلا بد من أربعة، ‏(‏خالفنا الأئمة في الحمل‏)‏‏.‏

لنا‏:‏ ما في الموطأ‏.‏ قال عمر - رضي الله عنه -‏:‏ الرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا قامت عليه البينة، أو إذا كان الحبل، ‏(‏الاعتراف‏)‏، وهو قول منتشر في الصحابة من غير مخالف، فكان إجماعًا، وفعله عمر بجارية، وعثمان بجارية ولدت لستة أشهر، فأمر بها أن ترجم، فقال علي - رضي الله عنه -‏:‏ ليس ذلك علينا، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا‏)‏، وقال تعالى‏:‏ ‏(‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏)‏، فأمر بها أن ترد، وهو قولهم - رضي الله عنه -‏.‏ احتجوا بقوله - عليه السلام - ‏(‏واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏، وهذه لم تعترف، فلا ترجم، وبأن عمر - رضي الله عنه - أتى بأمرأة - تبكي - حبلى، فقال‏:‏ مالك، فقالت‏:‏ رجل ركبني، وأثنى قومها خيرًا، فقال‏:‏ لو قتلت هذه لخشيت أن أدخل النار، وعنه‏:‏ أنه سأل أخرى، فقال‏:‏ لعلك استكرهت، فقالت‏:‏ نعم وأنا نائمة، فتركها، ولقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏ادرأوا الحدود بالشبهات‏)‏، ولأن الغالب عدم الزنا، فيحمل على لغالب‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المفهوم معارض بظاهر الحال‏.‏

وعن الثاني‏:‏ منع الصحة‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أنه حجة لنا في أن ظاهر الحال يقضي بطلب الدفع له، ولعلها كانت مستغيثة‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أنا نمنع أن هاهنا شبهة، بل ظاهر الحال يقتضي الزنا‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن البينة لو شهدت بالوطء وهما يدعيان الزوجية، حدًا، ولم ينفعها ذلك‏.‏ مع أنه الغالب، ووافقنا الأئمة على أن الرجوع عن الإقرار يسقط الحد عنه إن رجع إلى غير شبهة، ‏(‏روايتان‏)‏؛ لأن ماعزًا طلب وهو يرجم الرجوع للنبي - عليه السلام - فلم يمكن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏هلا تركتموه يتوب، فيتوب الله عليه‏)‏، ولا معنى لذلك إلا قبول رجوعه، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ على أن الإقرار يكفي منه مرة، وقال ‏(‏ح‏)‏ وأحمد‏:‏ لا بد من أربع، واشترط ‏(‏ح‏)‏ أن يغيب عن المجلس في كل مرة‏.‏

لنا‏:‏ قوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏فإن اعترفت فارجمهما‏)‏، ولم يقل‏:‏ أربعًا، بل اكتفي بأصل الاعتراف، ورجم الجهينة، وإنما اعترف مرة، وقول عمر المتقدم، ولم يشترط التكرار، وكسائر الحقوق، احتجوا بما في الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن رجلاً من الأسلميين أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجه، فقال‏:‏ يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى فعل ذلك أربع مرات، فدعا به - عليه السلام - فقال‏:‏ أبك جنون‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال فهل احصنت‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ارجموه، لو وجب بمرة لم يعرض عنه لتعين الحد‏.‏ وفي أبي داود قال له - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏إنك قد زنيت، أربع مرات، قال‏:‏ نعم قال‏:‏ وبمن‏؟‏ قال‏:‏ بفلانة‏)‏ وهذا التعليل دليل على أنها المعتبرة وروى أن الصديق - رضي الله عنه - قال له‏:‏ إن اعترفت الرابعة رجمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلولا أنه حكم معلوم، لم يخبر عليه الصديق - رضي الله عنه -‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه اعرض عنه لتوهم أنه مجنون، ولذلك سأله عن الجنون، وكانت قرائن أحواله تقتضي ذلك جمعًا بين الأحاديث، وقوله في التعليل‏.‏ معناه‏:‏ أن وصولها إلى هذه الغاية أضعفت الريبة، وهو معنى قول الصديق - رضي الله عنه - لأنه رآه قد قارب أمره الجلاء‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه لو لحق بالشهادة، لاشترط العدالة والرية وغير ذلك، وهو باطل إجماعًا‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الملاعن يسقط عن نفسه حدًا، ويوجبه على غيره، فاحتاج إلى قوة السبب‏.‏

التاسع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا قالت بعد الشهادة‏:‏ أنا بكر، أو رتقاء، ونظرها النساء فصدقنها، حدت؛ لأن زوج البكر إذا أقر بالوطء بعد إرخاء الستر، وادعته، وشهد النساء بالبكارة، صدقت‏.‏ ولا يكشف الحرائر عن مثل هذا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ لأن شهادة النساء لا تدفع الحد، وتؤخر خوف هلاك الحمل‏.‏ قال اللخمي‏:‏ أرى أن لا تحد؛ لأن شهادة النساء شبهة، ولأن شهادتهن توقف شهادة الرجال، فقد قال ابن القاسم‏:‏ إن شهادة رجل وامرأتين تعدل شهادة رجلين في الأموال، وينبغي أن ينظرها من النساء جماعة، يحصل بقولهن العلم، فلو قالت‏:‏ أنا انكشف لأربع رجال، لأجيبت؛ لأنها ضرورة لدفع القتل، فهو أولى من الطبيب والشهادة‏.‏

العاشر‏:‏ في كتاب‏:‏ إذا ثبت زناها بعد أربعة أشهر، والزوج غائب، منذ أربعة، ورجمت بعد الوضع، فقدم الزوج وادعى الاستبراء، وكانت قالت قبل الرجم‏:‏ ليس الولد منه، وقد استبرأني، أينفى بغير لعان‏؟‏ كما لو ظهر بالمرأة حمل قبل البناء، فصدقته على نفيه، وعلى عدم الوطء، ولو لم تصدقه قبل الرجم فلا بد من اللعان‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في كتاب القذف‏:‏ لا يحد الشريك في الأمة، ويؤدب إن لم يعذر بجهل، ولشريكه التقويم عليه، ولا صداق لها، ولا ما نقصها؛ لأن القيمة وجبت له؛ فتركها، وتمسك بنصيبه ناقصًا، وإن حملت وهو ما قومت عليه يوم الحمل، ولا شيء عليه من قيمة ولده، وتكون أم ولد، أو معسرًا خير شريكه، فإن تماسك، اتبعه بنصف قيمة الولد، وتبعه بنصف قيمتها يوم حمل، وتباع في نصيب شريكة إن احتيج إليه، ويتبعه بنصف قيمة الولد‏.‏ وإن نقص من نصف قيمتها يوم الحمل، اتبعه بالنقصان مع نصف قيمة الولد، فإن ماتت قبل الحكم فنصف قيمتها مع نصف قيمة الولد‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يعاقب الواطئ مائة ‏(‏قاله أبو الزناد‏)‏‏.‏ ولا يرد على ابن القاسم إذا أفسد الثوب فسادًا كثيرًا، أنه مخير في التمسك، ويغرمه النقص، أو يضمنه القيمة؛ لأن له فيه خلافًا‏.‏ وجوابه في الأمة على القول الآخر، وفي يوم التقويم ثلاثة أقوال‏:‏ يوم الحمل، يوم الوطء، يوم الحكم، بناء على التفويت أو سببه‏.‏ ولأنها مسألة، خلاف، والفرق بينها وبين المعتق يقوم عليه يوم الحكم مع أن الحمل يؤدي للعتق‏:‏ أن الواطئ متعد، فاعتبر يوم العدوان‏.‏ قال سحنون‏:‏ لا شيء له في الإعسار في قيمة الولد إذا اختار قيمتها؛ لأن الولد متأخر عن القيمة تقديرًا، فلا يستحق الشريك فيه شيئًا‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ يعتق عليه النصف الذي بقي له بيده؛ لعدم انتفاعه به، والنصف الآخر رقيقًا لمن اشتراه، وقيل‏:‏ لا يعتق؛ فلعله يملك باقيها فيحل له وطؤها، ‏(‏وقاله ابن القاسم، ومالك، ومحمد‏)‏‏.‏ فإن أعتق أحد الشريكين حصته مليًا فوطئها الآخر قبل التقويم، لم يحد؛ لأن حصته في ضمانه، ولا صداق عليه إن طاوعته، ولا ما نقصها‏.‏ وإن أكرهها فنصف نقصها بلا صداق، ‏(‏قاله مالك‏)‏‏.‏ فإن أعتق جميعها‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ليس لشريكه عتق حصته لتقدم عتق غيره، وقال بقية الرواة‏:‏ له ذلك؛ لأنه ملكه، فإن وطئها الآخر بعد علمه، حد إن لم يعذر بجهل، ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏:‏ لأنه وطئ حرة، وقال ابن القاسم‏:‏ لا يحد، ويلزم ابن القاسم أن عليه القيمة يوم العتق، ويلزم تركته، ولم يقله، فإن كان المعتق لجميعها معسرًا، لم يحده ابن القاسم، فإن كان مليًا ولم يطالب حتى أعدم، وقد علم الآخر به فتركه مع القدرة على القيام، ومضى العتق، واتبع بها دينا‏.‏ وإن كان غائبًا ولم يعلم بالعتق، فهو على حقه، ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏:‏ وهو خلاف أصله في هذه المسألة، بل يلزمه عدم الفرق بين الحضور والغيبة؛ لأنها عتقت كلها لما كان ملياً‏.‏

الثاني عشر‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إن طلق قبل البناء والوطء، وقال‏:‏ ظننت أن لا تبين إلا بالثلاث، فلا يحد، ولها صداق واحد إذا عذر بالجهالة، وكذلك المطلق ثلاثة، ويطأ في العدة ولا صداق، أو أم ولده بعد العتق إن عذر بالجهالة إذا قال‏:‏ ظننت الحل، ولا حد، أو وطئ أم ولده بعد الردة، وهو يعلم أنها حرام لشبهة الملك، أوطئ مجوسية بالملك، عالمًا بالتحريم بخلاف لو تزوجها عالمًا بالتحريم لعدم الشبهة، إلا أن يعذر بجهلة‏.‏ قال محمد‏:‏ إن وطئ من ذوات محارمه من لا تعتق عليه كالخالة، لا يحد، أو تعتق عليه حد كالبنت، ولا يلحق به الولد، لضعف الشبهة بعتقهن بالشراء، إلا أن يعذر بجهالة، فلا يحد، ويلحق به الولد، ولا يحد الأب بوطء أمة ابنه؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏، ويغرم قيمتها حملت أم لا؛ لأنه حرم وطؤها على الابن‏.‏ فإن أعسر بيعت عليه بعد الاستبراء إن لم تحمل‏.‏ فإن نقص ثمنها عن القيمة، اتبع بالتمام، وإن فضل فللأب، وكذلك الجد لأب أو لأم‏.‏ قاله ابن القاسم، وخالفه أشهب فحدها، لنقص رتبتها عن الأب في النفقة وغيرها، ومن أحلت له جارية ردت، إلا أن يطأها فلا يحد للشبهة، كان جاهلاً أو عالمًا، وتلزمه قيمتها حملت أم لا، ولا يتمسك بها ربها بعد الوطء وإن لم تحمل‏.‏ بخلاف الشريك؛ لأن الشريك متعد، فإن تماسك صح ما يخشى من عارية الزوج، ولا يؤمن أن يحلها ثانية، فإن كان عديمًا وقد حملت، فالقيمة في ذمته، وإن لم تحمل بيعت عليه، وله الفضل وعليه النقص، ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏.‏ قال الأبهري‏:‏ وهذا كله إذا جهل التحريم وإلا حد، ولا يلحق به الولد؛ لعدم الملك والنكاح وجهله التحريم، وهو خلاف المدونة‏.‏

الثالث عشر‏:‏ قال الطرطوشي‏:‏ يرجم اللائط الفاعل والمفعول، أحصنا أم لا، عبدين أو كافرين، وقال أشهب‏:‏ يحد العبد خمسين، ويؤدب الكافر، وإن وطئ أجنبية في المحل المكروه‏.‏ ففي المدونة‏:‏ هو زني يرجم المحصن، ويجلد غيره، ويغرب الرجل‏.‏ وقال القاضي أبو محمد‏:‏ حكم ذلك حكم اللواط‏.‏ وقال كثير من العلماء‏:‏ الشهادة على اللواط كالزنا، أربعة، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأحمد في الجديد‏:‏ اللواط كالزنا، يرجم المحصن ويجلد غيره‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إنا فيه التعزير إلا أن يتكرر فيقتل‏.‏ لنا‏:‏ قوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي داود‏:‏ ‏(‏اقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏، أحصنا أو لم يحصنا، واستشار فيه الصديق الصحابة، فأشاروا بالقتل، وكان أشدهم علي فأفتى فيه بالحرق، فكتب الصديق لخالد بالحرق، ولأن الرجم هو العقوبة الواقعة بقوم لوط‏.‏ وقال ابن وهب‏:‏ لا أرى حرقه إلا بعد أن نقتله، ولأنه نوع من الفساد في الأرض، وسعي في سد باب النسل، فيجب به القتل كالحرابة‏.‏ احتج ‏(‏ش‏)‏ بأنه إيلاج في فرج آدمي يحرم، فيكون زني كالقتل‏.‏ جوابه‏:‏ أن هذا أفحش؛ لأنه سد باب النسل، وقد جعل الله تعالى للزنا سبيلا بالنكاح، ولم يجعل للواط سبيلاً، فكان أقبح‏.‏ احتج ‏(‏ج‏)‏ بأنه لا يتعلق به إحصان ولا إحلال؛ فلا يوجب الحد كالإيلاج في الفم وغيره‏.‏ والجواب‏:‏ لأنه معارض بأنه يتعلق به الغسل والمهر عندن وأما الإحلال والإحصان فمناطهما كمال الوطء، ولم يوجد‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ولا صداق على الفاعل في طوع ولا إكراه، ولا يرجم المفعول به إن أكره، ويرجم الفاعل‏.‏

الرابع عشر‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ المرأة تأتي المرأة‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ذلك لاجتهاد الإمام بحسب شنعة ذلك وخفته، وعنه‏:‏ تجلدان خمسين خمسين ونحوهما، وعليهما الغسل إن أنزلتا‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ الدارئة للحد، ثلاثة في الفاعل، كاعتقاد الحل كمن وطئ أجنبية يظنها امرأته، وفي المفعول، نحو كون الأمة مشتركة، وفي الطريق كالنكاح المختلف فيه، كالزواج بلا ولي أو شهود إذا استفاض‏.‏ ‏(‏قاله في الجواهر‏)‏، قال‏:‏ واختلف في درء الحد في نكاح المتعة، والمذهب‏:‏ الدرء، وليس كل الخلاف دارئًا، بل الضعيف لا يدرأ ولم يصح ما روي‏:‏ ‏(‏ادرؤوا الحدود بالشبهات‏)‏، فيعتمد، على أن صور الشبهات قاصرة عن موطن الإجماع، فلا يلحق به‏.‏

الخامس عشر‏:‏ في الجواهر‏:‏ إن استأجر للزنا، لم يدرأ عنه عقد الإجارة الحد، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وأسقط الحد عنها‏:‏ ونقض أصله بما لو استأجرها للطبخ أو الخياطة ونحوه من الأعمال، يحد، وفرق بأن النكاح ينعقد بلفظ الإجارة، وقوله بعد ذلك‏:‏ لأزني بك، لغو‏.‏ كما لو صرحا بلفظ النكاح، ثم قال‏:‏ لأزني بك، فهو فساد لا يثبت مع الحد‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى ‏(‏الزانية والزاني‏)‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء‏)‏ وهو بعوض، لقوله تعالى في آخر الآية‏:‏ ‏(‏لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‏)‏، وقد قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا قال له‏:‏ زنيت بدابة، لا يكون قاذفًا، أو بثوب‏.‏ فقاذف؛ لأن التقدير‏:‏ مكنت دابة من نفسك، وأخذت عوض الزنا ثوبًا، ولأنه وطء مجمع على تحريمه لا ملك فيه ولا شبهة، والواطئ عالم بتحريمه، فأشبه صور الإجماع‏.‏ وقياسًا على أجارتها للخدمة، فإنه إذا حد في الإجارة الصحيحة، فأولى في الفاسدة، ولو سقط بها العقد لسقط بالمعاطاة التي ينعقد بها البيع والإجارة على الخلاف، والخلاف شبهة، فإن التزموا هذا فالزنا في الغالب لا يقع إلا في معاطاة‏.‏ احتجوا بحديث مرغوس المتقدم، والقياس على النكاح الفاسد‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن تلك الجارية عذرها عمر - رضي الله عنه - بالجهالة بتحريم الزنا‏:‏ ومسألتنا ليست كذلك‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن النكاح الفاسد لا بد أن يختلف في أصل جوازه، وهذا متفق على تحريمه‏.‏

السادس عشر‏:‏ في الجواهر‏:‏ إذا باع امرأته من الجوع، وأقرت له بالرق فوطئها المبتاع، قال ابن القاسم‏:‏ لا تحد، وتعذر بالجوع، وقال ابن وهب‏:‏ إن طاوعته وأقرت أنه أصابها طائعة، حدت نظائر>

قال‏:‏ تسع نسوة لا يحد واطئهن‏:‏ الأمة المشتركة، والمحللة، وجارية الابن، وجارية الأب، وأجداد الآباء والأمهات كالوالد، والأمة ذات المحرم كالعمة والخالة، وذات محرم من الرضاعة، ومن عالمًا بالتحريم عزر، والجارية تخدم رجلاً يطؤها، والمتزوجة على عمتها أو خالتها، أو في عدتها، ويطؤها في عدتها نظائر‏:‏

قال صاحب الخصال‏:‏ خمس نسوة لا يقام الحد عليهن‏:‏ المكرهة، والنائمة، والمجنونة، والصبية التي لم تبلغ، وموطوءة الصبي الذي لم يبلغ‏:‏ ومتى قال لواحدة منهن‏:‏ يازانية، حد للقذف، ويحد واطئهن‏.‏ وعليه الصداق إلا الصبي لا يحد‏.‏

قاعدة‏:‏ كلما سقط الحد لحق النسب، ومن يحد لا يلحق به النسب‏.‏ قال عبد الحق‏:‏ إلا في ست مسائل‏:‏ يشتريها، ويقرأنه أولدها عالمًا بحريتها، أو ممن تعتق عليه، أو يتزوجها، ويقر أنه أولدها عالمًا بأنها ذات محرم بنسب، أو رضاع، أو صهارة، أو يشتري أحدهما بخيار، ويقول‏:‏ أولدت هذه منهما بعد اختيار الأخرى، وترك هذه، أو يقول‏:‏ أولدت المرأة عالمًا بأن لي أربعًا سواها، أو يقول‏:‏ اشترتيها والسيد منكر ولا بينة، فيحد هو والجارية إن قام السيد على إنكاره‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في الموجب

وفي الجواهر‏:‏ هو الرجم والجلد‏.‏

والنظر في الرجم وشرطه، وهو الإحصان‏:‏ والجلد مائة، وما يضاف إليه وهو التغريب، فهذه أربعة أطراف‏.‏

الطرف الأول‏:‏ في الإحصان‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هو خمس خصال‏:‏ التكليف، والحرية، والإسلام، والترويج الصحيح، والوطء والمباح، وفي الحقيقة ثلاثة‏:‏ الحرية، والتزويج، والوطء، وغيرهها معتبر في أصل الزنا، ولم يشترط عبد الملك إباحة الوطء، بل يحصن وطء الحائض من زوجها، ولا يحصن الوطء الشبهة في النكاح الفاسد‏.‏ وتشترط الإصابة بعد الحرية، ولا يشترط حصوله في الوطئين، بل إن أحصن احدهما رجم، وجلد الآخر‏.‏

فائدة‏:‏ أصل هذه اللفظة‏:‏ المنع، ومنه‏:‏ الحصن للبناء؛ لأنه يمنع من فيه من العدو، فالتكليف وازع يمنع من تعاطي المحرمات‏.‏ والحرية تجعل النفس أبيه تمتنع من القاذورات‏.‏ الإسلام يمنع الإقدام على المنهيات، والتزويج يكمل النعمة فيصير من ذوي الرتب العليات، ويعظم عليها المؤاخذات، والإجماع في التكليف والوطء‏.‏ وأما الحرية فلقوله تعالى ‏(‏فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ‏)‏، والوطء المباح؛ لأنه الغالب، فيحمل اللفظ عليه؛ لأنه النعمة الكاملة‏.‏ ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ على الإسلام، خلافًا للشافعي وأحمد‏.‏ لنا‏:‏ قوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا إحصان مع الشرك‏)‏، والقياس على القذف بجامع تكامل النعمة، وهو موجب لزيادة العقوبة، بشهادة قوله تعالى‏:‏ ‏(‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ‏)‏ إلى قوله ‏(‏يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ‏)‏، وقوله تعالى ‏(‏إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ‏)‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ‏)‏‏.‏ فجعل تعالى مؤاخذته ومؤاخذة أزواجه أعظم المؤاخذات، لأنهم أكمل من غير، ولأنها العادة‏:‏ أن المناقشة خواص الملك أعظم‏.‏ احتجوا بما في الصحاح‏:‏ ‏(‏جاءت اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا أن رجلاً وامرأة منهم زنيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، فقالوا‏:‏ نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام‏:‏ كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على أية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام‏:‏ أرفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا‏:‏ صدقت، إن فيها آية الجرم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما‏)‏‏.‏ وفي البخاري‏:‏ ‏(‏وكانا قد أحصنا‏)‏‏.‏ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحكم بغير شرعه، ولأن الكافر يعتقد دينه أتم الأديان، وأكمل النعم فيؤاخذ بذلك في العقوبة، ولأن غيره من الشروط إذا عدم خلفه ضده في عدم المنع؛ لأن المجنون والصبي لا يمتنعان‏.‏ والرقيق أجسر على الزنا، وعدم الوطء يبعث على الزنا ليقف على حقيقته، أما عدم الإسلام فلا؛ لأن الكافر يمتنع من الزنا كالمسلم، ولأن الفرق بينه وبين القذف‏:‏ أن الوطء لا يعتبر في القذف ويعتبر في الرجم، ويعتبر فيه العفاف دون الرجم، ولا يعتبر فيه إحصان المحدود؛ لأن الذمي يحد في القذف فهو حجة لنا، لعموم قوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏الثيب بالثيب رجم بالحجارة‏)‏ أو سبب للقتل على المسلم، فيكون سببا في حق الكافر كالقصاص‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الحديث صحيح إلا تلك الزيادة‏:‏ ‏(‏وهما محصنان‏)‏، وإنما رجمهم بوحي يخص أولئك لوجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أنه - عليه السلام - لا يليق به ولا بمن له أدنى دين أن يتصرف في الزنا بغير أمر الله تعالى، وثانيها‏:‏ أن هذه القصة وقعت أول نزوله - عليه السلام - بالمدينة، ولم يكن حد الزنا نزل بعد، ولذلك روى ابن عمر مفسرًا، قال‏:‏ وكان حد المسلمين المسلمين يؤمئذ الجلد، وثالثها‏:‏ قوله تعالى ‏(‏وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏)‏، وهذا يقتضي أنه إنما حكم بوحي يخصم، ورابعها‏:‏ أنه روي في الخبر‏:‏ أنه رجمهم بشهادة الكفار، وأنتم لا تقولون به، ولأنه - عليه السلام - لم يسأل عن شرائط إحصانهما‏.‏

تنبيه‏:‏ الحديث يشكل عليه مذهبنا ومذهب المخالف‏.‏ أما مذهبنا‏:‏ فلأنا ندعي وحيا وتخصيصًا بهذين الشخصين بغير دليل، مع أن الظاهر اقتضى الاعتماد على التوراة، لا سيما إذا جمعت طرق الحديث‏.‏ وأما مذهبهم، فإن التوراة محرفة، وإخبار عبد الله بن سلام وغيره، إنما يفيد أنه رأى ذلك في التوراة؛ لأنه يرويها عن الصدور بلا رواية في كتب الإسرائليين، لطول الزمان وكثرة اللعب والإهمال، والاعتماد على مثل هذا باطل إجماعًا‏.‏ وشرع من قبلنا إنما يكون شرعًا لنا إذا ثبت أنه شرع من قبلنا بوحي ثابت، أو رواية صحيحة‏.‏ ولا يمكن أن نقول‏:‏ إن حد المسلمين يومئذ الرجم؛ لأنه لو كان كذلك لما سألهم - عليه السلام - عن التوراة، ولا فحص؛ لأنه نهانا عن ذلك، وقال‏:‏ ‏(‏لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا‏:‏ آمنا بالله‏)‏‏.‏ بل مفهوم القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏)‏ يأبى ذلك، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏)‏، وفي المنتقى‏:‏ يحتمل أن يكون أوحي إليه بصحة هذا من التوراة، وعلم ذلك عند عبد الله بن سلام وغيره، على وجه يوجب العلم، أو شرع من قبلنا شرع لنا‏.‏ وقد نبهت على ضعف الوجوه الأخيرة، قال‏:‏ قال مالك‏:‏ لم يكونوا أهل ذمة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه لا عبرة باعتقاده؛ لأنه نقمة أخرى لا نعمة؛ لأن الكافر لو قذف كافرًا لا يحد، وإن اعتقد أن المقذوف محصن‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أنه يبطل شهادته‏.‏ فإنه يعتقد تحريم الكذب، ولا تقبل شهادته‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن العفة عن الزنا لا تبقي مع القذف فاعتبرت، وفي الإسلام هما سواء يبقى معها، فاعتبر فيهما‏.‏

والجواب عن الخامس‏:‏ أنه يخصصه بما ذكرنا من الأدلة‏.‏

والجواب عن السادس‏:‏ أن القصاص لا يعتبر فيه بخلاف هاهنا‏.‏

فرع‏:‏

وفي المنتقى‏:‏ لا يحكم أحدنا اليوم بحكم التوراة‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إذا طلبت أهل الذمة الرجم - وهو دينهم - فلهم ذلك، إلا من كان رقيقًا لمسلم، فليس لهم فيه رجم، ولا جلد، ولا قتل؛ لتعلق حق المسلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما فرجما‏)‏، يدل على أن الإمام يلزمه مباشرة الحدود، وقاله مالك و‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ في الاعتراف يلزمه الابتداء بالرجم، ثم يتبعه الناس بخلاف البينة‏.‏ لنا‏:‏ القياس على السرقة‏.‏ ويدل الحديث بقوله‏:‏ ‏(‏فلقد رأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة‏)‏ - أن المرجوم لا يحفر له‏.‏ قاله مالك و‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يحفر للمرأة، ولو حفر لم يكن منحنيًا عليها‏.‏ قال ابن دينار‏:‏ يفعل الإمام من ذلك ما يراه، وقال أصبغ، يحفر للمرجوم ويرسل له يداه، يدرأ بهما عن وجهه إن أحب‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا زنى الكافر لم يحد، ورد إلى أهل دينه، فإن أعلنوا الزنا وشرب الخمر نكلوا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ لأن الحد تطهير للكافر وهو ليس من أهله بخلاف القذف والسرقة والحرابة؛ لأنه من باب التظالم - حق للذمي فيقام عليه وإن أسلم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقبل قوله‏:‏ أنا بكر، ويجلد، ولا يقبل في الإحصان النساء، كان معهن رجل أم لا؛ لأنه حكم بدني‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا طال مكثه بعد الدخول، فشهد عليه بالزنا، فأنكر الإصابة، لم يرجم إلا بإقرار أو ظهور ولد؛ لعظم حرمة الدم، بخلاف الصداق‏.‏ في النكت‏:‏ قال النكاح الثابت‏:‏ إذا أخذت تزني بعد إقامتها مع زوجها عشرين سنة، تحد‏.‏ اختلف الجواب؛ لأن الزوج مقر بالوطء أو يحتمل أن الطول فيها أكثر، فهو اختلاف قول، كما قاله يحيى بن عمر، أو يفرق بأن العادة في طول المدة إذا لم يحصل وطء تطالب المرأة به، فلما لم يكن دل على حصوله، وليس عادة الزوج اظهار الوطء ‏(‏قاله بعضهم‏)‏، وليس بشيء، بل الفرق ينعكس في الزوج إذا كان هو الزاني، يقال له‏:‏ تركها القيام دليل الوطء‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا اختلفا في الوطء بعد الزنا، لم يقبل قول الزاني منهما ورجم، ولم لم يكن خلا بها إلا ليلة أو أقل‏.‏ وإن اختلفا قبل الزنا لم يكن المقر محصنًا ولو أقام معها الدهر، وقاله ابن القاسم‏.‏ والفرق بين قبل وبعد‏:‏ أن الزوجة تقول قبل‏:‏ إنما أقررت لتكميل الصداق، أو يقول الزوج‏:‏ إنما أقررت لتكون لي الرجعة، والمقر بعد منهما أوجب على نفسه، ولا عذر له، فيكون الآخر مثله، إذ لا يكون الواطئ محصنًا دون الموطوء، ولا يسقط إنكاره حدًا وجب‏.‏ قال اللخمي، لا يكون محصًا بالعقد ولا بالدخول فيما يفسخ بعد الدخول، فإن كان مما يثبت بعد الدخول كان به محصنًا بما بعد بأول الملاقاة، فإن صح العقد، وفسدت الملاقاة لم يحصن عند ابن القاسم ولا يحد، خلافا لعبد الملك فيهما؛ لأن إطلاقات صاحب الشرع تحمل على المشروع؛ لأنه عرفه، وعند ابن دينار، يحصن ولا يحل‏.‏ قال‏:‏ ولو عكس لكان أشبه؛ لأن الحد يدرأ بالشبهة، ومتى تصادقا في الإصابة قبل الزنا فمحصنان، أو على نفيه فبكران، وإن اختلفا حد المنكر، واختلف في المقر فقيل‏:‏ يرجم إلا أن يرجع قبل الجلد، فإن اختلف بعد الزنا فثلاثة أقوال‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ لا يقبل قول المنكر ويرجمان، ‏(‏وهو قول أصحابنا‏)‏، وقال ابن القاسم‏:‏ يصدق الزوج، والقول الثالث‏:‏ ما تقدم ذكره في كتاب النكاح فيما تقدمت حكايته في الثلاث، وإذا غاب أحدهما، أو مات قبل أن يسمع منه شيء‏.‏ في المقدمات‏:‏ إذا خالفها وأقر بالوطء قبل الزنا أو بعده فمحصنان، وإن أنكراه بعد الزنا ولم يقر قبله، فثلاثة أقوال‏:‏ لا يصدقان عن ابن وهب وإن قرب إلينا، وقال جمهور الأصحاب‏:‏ يصدقان، إلا أن يطول الزمان جدًا، ويصدقان وإن طال الزمان، وهو ظاهر المدونة في كتاب الرجم، والثاني‏:‏ ظاهرهًا في النكاح الثابت، وإن أنكرا قبل الزنا، صدقاً اتفاقًا‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ ومتى كان الزوج وحده غير بالغ، لم يكن واحدًا منهما محصنًا، وهي غير بالغة وحدها، يحصن دونها؛ لأن مقصود الوطء يحصل من الصغيرة له، ولا يحصل للمرأة من الصغير، وإن كان أحدهما عبدًا يحصن الحر منهما لوجود الحرية والزوجية، وإن كان أحدهما مجنونًا يحصن العاقل خاصة، قاله مالك وابن القاسم‏:‏ وقال أشهب‏:‏ المعتبر الزوج إن كان عاقلاً فلا يحصن هو وهي أيضًا إن زنت في إفاقتها، أو مجنونًا، لم يتحصنا معا، وقال عبد الملك‏:‏ إن صح العقد منهما أو من وليهما تحصنًا معًا، وإن كان مجنونين في حين البناء إذا وقع الزنا في الصحة، فإن كان الزوج مسلمًا وهي نصرانية، يحصن دونها، أو مسلمة دونه، لم يكن إحصانًا لها؛ لأنه تزوج وهي مسلمة كان فاسدًا أو نصرانية فهي غير مخاطبة بالفروع‏.‏ في المقدمات‏:‏ إن وقع الوطء قبل الإسلام أو الحرية لم يعتبر حتى يقع بعدهما، ويعتبر اجتماع الإسلام والحرية أيهما تقدم‏.‏ وإذا انفرد الإسلام فهو إحصان، أو الحرية لم يكن إحصانًا يعتبر، وبهذا تجتمع الآيات، فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت‏)‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واللذان يأتيانها منكم فاذوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما‏)‏ - منسوختان إجماعًا، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فلعيهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏)‏، قرئ أحصن وأحصن - بفتح الصاد وكسرها - والثاني معناه‏:‏ تزوجن ‏(‏قاله القاضي إسماعيل‏)‏؛ لتقدم قوله‏:‏ ‏(‏من فتياتكم المؤمنات‏)‏، فيقتضي أن التزويج حال العبودية، لا يوجب رجمًا ولا جلد مائة، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏نصف ما على المحصنات من العذاب‏)‏ أي‏:‏ الحرائر المسلمات، لا الحرائر المتزوجات؛ لأن حدهن الرجم، وهو لا يتبعض‏.‏

نظائر‏:‏

‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أربعة لا يحصن، ولا تحصن‏:‏ الأمة الزوجة تحصنه ويحصنها والكتابية والصبية التي لم تبلغ ومثلها يوطأ، والمجنونة‏)‏‏.‏

الطرف الثاني‏:‏ الرجم‏.‏ في التنبيهات‏:‏ للرجم عشرة شروط‏:‏ البلوغ، والعقل، والإسلام، وعدم الشبهة، ومغيب الحشفة في قبل أو دبر بين آدميين غير مكرهين، ولا جاهلين، والإحصان، والحرية، وفي الكتاب‏:‏ لم يعرف مالك أن البينة تبدأ بالرجم، ثم الناس، وفي الإقرار والحمل يبدأ الإمام، بل يأمر كسائل الحدود، ولا يربط المرجوم، ولا يحفر له ولا للمرأة؛ لما في الحديث‏:‏ ‏(‏رأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة‏)‏، ولو كان في حفرة ما حنى عليها‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يرمى بالحجارة التي يرمى بمثلها دون الصخور، ويرمي حتى يموت، ومنع الحفرة لازم؛ لأن ماعزًا هرب من الحجارة، ولو كان في حفرة ما فر، ولأن المطلوب نيل الحجارة جميع الجسد‏.‏ قال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ يرمى بأكبر حجر يقدر الرامي على حمله‏.‏ ‏(‏قاله في الجواهر‏)‏، قال اللخمي‏:‏ تجتنب الصخور؛ لأنها تشوه، والصفا؛ لأنها تطول، ولا تختص بالظهر بل مقابل الظهر وغيره، ومن السرة إلى فوق، ويجتنب الوجه للشرف، والرجلين واليدين للتعذيب من غير مقتل، ويجرد أعلى الرجل دون المرأة؛ لأنها عورة‏.‏ وفي الموازية‏:‏ يحفر له ولها‏.‏ قال أشهب‏:‏ إن حفر له خليت له يداه، وكذلك المحارب إذا صلب ترسل يداه، وقيل‏:‏ يحفر للمشهود عليه دون المقر؛ لأنه إن تهرب ترك، وقد حفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للغامدية دون ماعز إلى صدرها، وأمر البينة بالتبدئة أحسن؛ لأنه يؤدي للتثبيت في الشهادة، ويعذر الإمام في الإقرار عند عبد الملك وسحنون؛ لأنه إذا رجع أخذه بعلمه عندهم، وعند مالك‏:‏ إذا رجع لا يؤخذ إلا بالبينة ‏(‏شاهدة اثنين أو أربعة على الخلاف‏)‏‏.‏ ويستحب بداية الإمام في الحمل، لأنها مسألة خلاف إن ادعت أنه بشبهة ولم تصدق‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يغسل المرجوم، ويكفن، ويصلي عليه عند الإمام، ويدفن؛ لأنه مسلم، وينزجر الجناة بعدم صلاة الأئمة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا رجع أحد الأربعة الشهود قبل الحد، أو وجد عبدًا أو مسخوطًا حدوا حدوا حد القذف؛ لعدم ثبوت قولهم، فإن رجع جميعهم بعد الرجم حدوهم بإقرارهم بالقذف، والدية في أموالهم؛ لأنه سبب قتله، أو رجع واحد حد وحده، وإن علم بعد الحد أن أحدهم عبد، حدوا، أو مسخوط، لم يحد وإلا شهادتهم تمت باجتهاد الإمام في عدالتهم، بخلاف العبد، فإنه من خطأ الإمام، وإن لم يعلم الشهود، فالدية على عاقلة الإمام لتفريطه، أو علموا فعلى الشهود في أموالهم؛ لأنه في معنى العمد، فلا تحمله العاقلة، ولا شيء على العبد في الوجهين، وما أخطأ به الإمام من حد الله فبلغ ثلث الدية فأكثر، فعلى عاقلته، أو دون الثلث من ديتها شيء، ولا على الشهود ولا على الإمام؛ لأنه ليس بخطأ صراح، وإن قذفها أحد بعد زنا الزوج، حد، ولا ينتظر ملاعنة الزوج‏.‏ قال محمد‏:‏ ترجم بذلك إن لم تدفعه باللعان، وإن قذفها بعد موتها لم يحد؛ لأن لعان الزوج واجب ذلك عليها، ولم يخرج منه، قال اللخمي‏:‏ إن رجعت البينة قبل الحد وبعد الحكم، فثلاثة أقوال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يقام الحد ويغرمون الدية في أموالهم؛ لأن الحكم لا ينقض، وهو في معنى العمد، وعنه‏:‏ لا يرجم لحرمة القتل، وكذلك القطع، وعن أشهب القولان، وعنه‏:‏ يقتصر على أدنى الحدين، فيضرب، ويغرب، ولا يقطع في سرقة ولا قصاص، ويغرم العقل في القصاص؛ لأن الرجوع شبهة، ولأن العاقلة لا تحمل الاعتراف‏.‏ وإن رجعوا بعد الجلد والتغريب، واعترفوا بالعمد، فيختلف‏:‏ هل يضرب كل واحد خمسة وعشرين على القول بالقصاص في الرجم، أم على القول الآخر، ويزاد في عقوبتهم التغريب، إلا أن يرجعوا قبل أن يغر، ويضرب كل واحد القذف ثمانين للقذف، لأنهما حقان، ورجوع أحدهم يجري على الخلاف المتقدم‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن رجع بعد الحد جلد وحده دون الثلاثة، وإليه رجع عن جلد جميعهم، وقيل في ظهور عبد معهم‏:‏ لا شيء على الحاكم وعلى الشهود إذا لم يعلموا أنه عبد أو ذمي، أو علموا وجهلوا رد شهادة العبد، قال‏:‏ وإن علم العبد وحده أن شهادته لا تجوز، فهي جناية في رقبته، وإن علموا ذلك كلهم، فالدية عليهم أرباعًا؛ لاشتراكهم في تعمد الجناية، وقال أبو مصعب، وإن وجد مجبوبًا، فالدية على عاقلة الإمام، ‏(‏قاله أشهب‏)‏، وإن قال‏:‏ زنيت وأنت مجبوب، حد عند ابن القاسم؛ لأنه يستتر بقوله‏:‏ وأنت مجبوب، كقوله‏:‏ زنيت وأنت نصرانية أو وأنت صغيرة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن أقر القاضي بتعمد القتل أو القطع أو غيره، أقيد منه‏.‏

فرع‏:‏

في النكت‏:‏ لا تمهل المرأة حتى تستبرأ حتى يكون ظاهرًا، فحينئذ يؤخر الرجم إلا أن يكون لها زوج مرسل عليها فتستبرأ؛ لأن طالب النطفة قائم‏.‏

الطرف الثالث‏:‏ الجلد‏.‏ في التنبيهات، له ثمانية شروط‏:‏ البلوغ، والعقل، والإسلام، وعدم الشبهة، ومغيب الحشفة منقبل أو دبر من آدميين، من غير إكراه، ولا جهل بالتحريم، وفي الثلاثة الأخيرة اختلاف، وأصله قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏)‏، وفي الكتاب‏:‏ يضرب في الحدود كلها على الظهر، ويجرد الرجل في الحد والنكال من الثياب، ويقعد ولا يقام ولا يمد، وتقعد المرأة ولا تجرد مما لا يقيها الضرب؛ لأنه السنة في الغامدية وغيرها، وينزع ما يقيها كاللبد ونحو، وأعجب مالكا أن تجعل في القفة للستر‏.‏ وصفة الجلد في الحدود والتعزير واحد‏:‏ لا مبرج ولا خفيف، ولا يجئ في الحد قضيب، ولا شراك، ولا درة، بل السوط، ودرة عمر - رضي الله عنه - إنما كانت للتأديب، وكان يجلد بالسوط، وعليك طاعة الإمام العادل العارف بالسنة في القتل والحدود، وإن لم تعلم ذلك إلا من قول كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأولي الأمر منكم‏)‏ دون الجائز، لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏أطيعهم ما أطاعوا الله فيكم‏)‏ إلا أن تعلم صحة ذلك وعدالة البينة‏.‏ في التنبيهات‏:‏ وقع في الكتاب أمر الإمام بقطع في خرابة - بالخاء المعجمة - وهي سرقة الإبل خاصة، والمهملة وهي الحرابة في كل شيء‏.‏

قال اللخمي‏:‏ يجلد الحر والحرة مائة، والعبد ومن فيه علقه رق خمسين، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ‏)‏ بسوط بين سوطين لا جديد ولا بال، بضرب بين ضربين، في زمان بين زمانين، من رجل بين رجلين لا بالقوي ولا بالضعيف‏.‏ وفي الموطأ‏.‏ ‏(‏اعترف رجل بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فد عى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط، فأتى بسوط مكسور، فقال‏:‏ فوق هذا، فأتي بسوط جديد لم يقطع ثمرته، فقال‏:‏ بين هذين، فأتى بسوط قد ركب به ولان، فأمر به فجلد‏)‏، ولا يضع سوطًا فوق سوط، ويعطي كل عضو حقه إلا الوجه والفرج‏.‏ قال ابن شعبان‏:‏ ومذهب الكتاب أظهر، لقوله - عليه السلام - في الصحيحين لهلال بن أمية لما قذف زوجته بشريك بن سحماء‏:‏ ‏(‏أربعة وإلا حد في ظهرك‏)‏، وتجعل المرأة في قفة بها تراب وماء، فإن حدث منها شيء خفي‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ويجرد في التعزيرات إذا بلغت للحدود، وفي الخفيف على ثيابه وفوق رأسه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجمع عليه بين حد الزنا، والقذف، وشرب الخمر، إلا أن يخاف عليه فيجتهد في التفريق، وكذلك المريض إذا خيف عليه آخر كما يؤخر السارق للبرد، ويؤخر الجلد للبرد والحر، ويبدأ حد الزنا على غيره؛ لأنه لا عفو فيه، وتؤخر الحامل حتى تضع، وتستقل من النفاس، وتؤخر المحصنة حتى تضع، وإن لم يجد الولد مرضعة، فهي ترضع، لما في الموطأ‏:‏ ‏(‏أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته أنها زنت وهي حامل، فقال‏:‏ - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أذهبي حتى تضعي، فلما وضعته جاءته، فقال‏:‏ اذهبي حتى ترضعيه، فلما أرضعته جاءته، فقال لها - عليه السلام -‏:‏ اذهبي فاستودعيه، فاستودعته، ثم جاءت، فأمر بها فرجمت‏)‏، وإن ادعت الحمل أو قال البينة رأيناها تزني من ثلاثة أشهر أو أربعة، نظر إليها النساء، فإن صدقنها لم يعجل عليها، وإلا فلا، وتقدم حدود الله تعالى على القصاص، وإن كان فيه فضل، أقيم عليه ما للناس، وإن خيف عليه لمرض أخر حتى يبرأ، وإن سرق وزنى - وهو محصن - رجم ولم يقطع؛ لأن القطع يدخل في القتل، وإن أقر أنه زنى بنسوة، أو شهد عليه بذلك، فحد واحد، أو شهد عليه بالزنا وهو بكر، ثم زنى وهو محصن، أجزأه الرجم، وكل حد لله أو قصاص اجتمع مع قتل أو أجزأ القتل إلا في حد القذف، يقام قبل القتل لحجة المقذوف في عار القذف إن لم يجلد‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا زنى وقذف ضرب أكثر الحدين مائة، وأجزأه‏.‏ قال اللخمي‏:‏ اختلف إذا قذف وشرب، أو قذف جماعة، هل حد واحد أم لا، وإن سرق وقطع يمين رجل قطع للسرقة، تقدمت أو تأخرت، ويؤخر الآخر لوقت لا خوف فيه‏.‏ وإن خيف عليه دائمًا، وحق الله تعالى جلد، ابتدئ به مفرقًا، ثم ما للآدمي‏.‏ ومتى تقدم للمرأة أربعون يومًا من يوم زنت، انتظر ملها، وإلا حدت؛ لأنه قبل الأربعين مضغة لا حرمة لها، إلا أن تكون ذات زوج، لم يستبرئها، خير في قيامه بحقه في الماء، أو يسقط حقه، فتحد‏.‏

قاعدة‏:‏ الأصل أن يترتب على كل سبب مسببه‏:‏ فكل إيلاجة أو نقطة من الخمر سبب للحد، لكن أجمعت الأمة على التداخل رفقا بالعباد، ولأنها أمور مهلكة، فهي أولى بالتداخل من غيرها، والتداخل واقع في الشريعة في ستة مواطن، في الطهارة إذا تكررت الأسباب أو اجتمعت‏:‏ كالغائط، والملامسة، والحدث الأصغر مع الجنابة، والجنابة مع الحيض، وفي الصلاة، كتحية المسجد مع الفرض، وفي الصيام‏:‏ كصيام الاعتكاف مع رمضان، وفي الكفارات‏:‏ إذا وطئ في نهار رمضان مرارًا على الخلاف، والحج‏:‏ كطواف العمرة في حق القارن، وفي الحدود، إذا تكرر النوع الواحد، واختلف السبب، لكن المسبب واحد، كالشرب والقذف، والأموال، كدية الأعضاء مع دية النفس، والصدقات في وطء الشبهات، ويدخل الأول في الأخير، كالجناية مع الحيض، والأعضاء مع النفس، والأخير في الأول في وطء الشبهة، والطرفان في الوسط على الخلاف بين العلماء في وطء الشبهة، وقيمة المغصوب إذا هلك هل يلزم الحالة المتوسطة إن كانت أعلى صداقًا أو قيمة، أولا يلزم إلا الأول‏؟‏ ‏(‏وهو مذهبنا‏)‏ و‏(‏ش‏)‏ يعتبر أفضل الحالات، ويندرج الأقل في الأكثر، كالأطراف مع النفس‏؟‏، والأولى في الأكثر، كالعضو الواحد مع النفس، وهذا كله لطف من الله تعالى بعباده، وإلا فالأصل‏:‏ ما تقدم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقيم السيد الحد على عبده في الزنا، والقذف، والشرب دون السرقة؛ لأنها مثله، ولا يقيمه إلا الولي، فإن قطعه السيد والبينة عادلة، وأصاب وجه القطع، عوقب للتعدي، ولا يحد في الزنا إلا بأربعة شهود غير السيد، فإن كان السيد أحدهم، رفعه للإمام والحاكم إذا لم تتم لشهادة إلا به، رفعة لمن فوقه، فيشهد عنده، أو رفع ذلك للإمام أو لنائبه، ويقيم الإمام عليه حد السرقة بشهادة السيد مع آخر؛ لعدم التهمة، ولا يقيم السيد حد الزنا على أمته ولها زوج حتى يرفعه للإمام، ولا على العبد قصاصًا حتى يرفعه للإمام، فإن كان له عبدان جرح أحدهما الآخر، فله القصاص بعد مراجعة الإمام، ولا يقيم الحدود ولاة المياه؛ لأنها لم تندرج في ولاياتهم، ويجلب للأمصار، ولا يقام في مصر إلا في الفسطاط، أو بأمر واليها‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يحضر السيد في الخمر والفرية رجلين، وفي الزنا أربعة عدول‏.‏ قال مالك‏:‏ لعله يعتق، فيحد من شهد عليه برد شهادته، وامتنعت إقامته للسرقة؛ لأنها ذريعة للتمثيل به، ويدعي أنه سرق، ولا يحكم السيد بعلمه كالحاكم‏.‏ وعنه‏:‏ يجلده بعلمه؛ لعدم اتهامه في إضراره بماله، بخلاف الحاكم، وإنما يمنع الزوج في الأمة إذا كان حرًا أو عبدًا لغيره؛ لأن له حقًا في الفراش، وما يحدث من ولد، بخلاف الزوج عبد السيد‏.‏ قال أشهب‏:‏ إلا أن يكون الزوج وغدًا لا يلحقه عيب ذلك، وكذلك المرأة في عبدها‏.‏ وقد حدت فاطمة بنت رسول الله - صلى عليه وسلم - مملوكها‏.‏ وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليحدها ولا يثرب عليها‏)‏ الحديث‏.‏ قال اللخمي‏:‏ لا يحدها إذا كان زوجها غير عبده، إلا أن يعترف بصحة الشهادة، ولا خلاف أن له التأديب بعلمه، وإذا قطع في السرقة بغير بينة، عتق عليه، إلا أن يعترف العبد بالسرقة، أو أنه قطع الذي اقتص منه، قال‏:‏ وأرى إن أنكر وشهد عدل لا يعتق؛ لأنها شبهة تنفي عنه التعدي‏.‏

قاعدة‏:‏ التكاليف في الناس قسمان‏:‏ عام في الناس‏:‏ كالصلاة وغيرها، وخاص ببعض الناس، كالحدود والتعزيرات تختص بالولاة والقضاة؛ لأنه لولا ذلك فسد حال الرعية بثوران بعضهم على بعض‏.‏ قال أمام الحرمين في الغياثي‏:‏ فإن شغر الزمان من الإمام، انتقل ذلك لأعلم الناس وأفضلهم دفعًا للحرج والفساد‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا ‏(‏ش‏)‏ وأحمد في السيد، وخالفنا ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ ما تقدم، وقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم‏)‏؛ ولأنه يملك تزويجه بغير قرشية، فيحده كالإمام؛ ولأنه يؤدبه، فيحده كالإمام‏.‏ احتجوا بأنه حق لله فلا يتولاه السيد بخلاف التزويج؛ ولأنه لا يحتاج إلى اجتهاد الإمام، وأوضاع، ومقادر في العدد والهيئة، فلا يستقل به السيد؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وقياسًا على الحر‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه وإن كان حقا لله، ففيه استصلاح العبد، وهو حق السيد‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه ينتقض بتعزير السيد عبده، والزوج امرأته، مع احتياجه للاجتهاد‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق بأن الحر لا حق له فيه‏.‏

فرع مرتب‏:‏

قال في النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ اشتراها حاملاً، فعلم أن البائع لم يحدها، فهو في سعة أن لا يحدها، فإن زنى عبده، يحده بغير السوط‏.‏ قال مالك‏:‏ لا يقام الحد إلا بالسوط‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ قال مالك‏:‏ إن ضربه بالدرة على ظهره أجزأه وما هو بالبين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الحدود كلها تعلن، والناس فيها كلها سواء، خلافًا لـ ‏(‏ح‏)‏ في قوله في الزنا أشد؛ لأن مفسدته أعظم‏.‏ جوابه‏:‏ أن زيادة العدد قبالة زيادة المفسدة‏.‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ يستحب أن يقام قدام القاضي لئلا يتعدى فيها، ويختار للجلد الرجل العدل لئلا يشتد في الضرب أو يرخي ‏(‏قاله مالك‏)‏، وعن مالك‏:‏ يخفف في حد الخمر للخلاف فيه‏.‏ وفي الجلاب‏:‏ ينبغي للإمام إحضار حد الزنا طائفة من المؤمنين الأحرار العدول ‏(‏أربعة فصاعدًا‏)‏، وكذلك السيد في عبده وأمته؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين‏)‏‏.‏

الطرف الرابع‏:‏ التغريب‏.‏ وأصله‏:‏ قوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏الثيب بالثيب رجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام‏)‏‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ لا تغرب النساء والعبيد، وينفى الحر في الزنا، ويبقى في الموضع الذي ينفى إليه سنة‏.‏ وفي الحرابة حتى تعرف توبته‏.‏ ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ وأحمد، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ تغرب النساء‏.‏ وله في الإماء والعبيد قولان‏.‏ لنا‏:‏ ما في الصحيحين‏:‏ قال - عليه السلام - لما سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال - عليه السلام - ‏(‏إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير‏)‏‏.‏ ولو كان تغريب لذكره - عليه السلام - لأن جوابه تمهيد قاعدة، وتأسيس لحكم، لا يترك من شأنه شيئا‏.‏ وفي النساء معهن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‏)‏، ولم يذكر تغريبًا‏.‏ أجمعنا على تخصيصه بالمحصن من الأحرار، بقي حجة في غيره، ولأن التغريب في الرجل؛ لينقطع عن معاشه، وتلحقه الذلة بغير بلده‏.‏ والمرأة لا معيشة لها، ويجب حفظها وضبطها عن الفساد، وفي تغريبها إعانة على فسادها وتعريضها للزنا‏.‏ وفي الرقيق حقوق السادات في الخدمة‏:‏ فيتأذى بالتغريب غيرالجاني‏.‏ احتجوا بحديث ‏(‏البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‏)‏، وهو عام‏.‏ والجواب‏:‏ أنه مخصوص بما ذكرنا، ولأن المرأة إن غربت مع محرم غرب من ليس بزان، أو مع غير ذي محرم خولف قوله - عليه السلام - ‏(‏لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم‏)‏، ومنع ‏(‏ح‏)‏ التغريب مطالقًا‏.‏ لنا عليه الحديث المتقدم‏.‏ احتج بأن القرآن أثبت الحدود بغير تغريب، فلو ثبت التغريب بالسنة، لكان زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ونسخ القرآن بالسنة غير جائز‏.‏ والجواب‏:‏ منع أن الزيادة نسخ، وفي النكت‏:‏ إنما فرق بين الزنا والحرابة؛ لأن المحارب جاهر بالظلم، وعظم ضرره، فاشترطت توبته بخلاف الزاني‏.‏ وتحسب السنة من يوم حبس ونفقة حمله، وحمل المحارب وحسبهما على أنفسهما، فإن أعدما فبيت المال‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ كان ينفى عندنا إلى فدك وخيبر، ونفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين، قال ‏(‏وهو رأي‏)‏ قال محمد‏:‏ إلى الموضع القريب، ولا يحبس، ويترك اليوم بعد الأيام للمسألة والمعاش‏.‏ وقال اللخمي‏:‏ كل من فيه بقية رق كأم الولد ونحوها‏.‏ وفي المنتقى عن مالك‏:‏ ينفى من مصر إلى الحجاز، قال ابن القاسم‏:‏ من مصر إلى أسوان، ودون ذلك حيث يثبت له حكم الاغتراب‏.‏ ولا يكثر البعد؛ لئلا يتعذر وصول منفعة ماله وأهله إليه، ويكتب إلى والي البلد بسجنه سنة عنده، ويؤرخ يوم سجنه‏.‏ قاله ابن القاسم‏:‏ وفي الجواهر‏:‏ إن عاد المغرب، أخرجناه ثانيًا‏.‏

الجناية الرابعة‏:‏ القذف

وأصله‏:‏ الرجم بالحجارة ونحوها، ثم يستعمل مجازًا في الرجم بالمكاره‏.‏ فمن الحقيقة قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويقذفون من كل جانب دحورًا‏)‏‏.‏ وفيه ستة أبواب‏:‏

الأول في ألفاظ القذف

وهي قسمان‏:‏ قذف، ونفي، وكلاهما قسمان‏:‏ صريح وكناية، فهذه أربعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في صريح القذف

وهي الرمي بالزنا أو اللواط‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ يجب الحد بذلك دون الرمي بما هو أعظم منه من القتل والكفر؛ لأنه يقدر أن يقيم بينة على عدم الزنا في الزمان الماضي، وليس بشيء؛ لأنه مشترك الإلزام، فلا يقدر على إثبات نفي القتل في الزمن الماضي، إلا أن يقول‏:‏ يقدر بأن يثبت أنه كان حيًا في ذلك الوقت، فيقال له‏:‏ وكذلك يثبت أنها كانت في بلد آخر غير الذي قذفه بالزنا به إن قيده كما قيد القتل، وإن تعذر في الفصلين، فالحاصل‏:‏ أن تعين هذين للقذف دون غيرهما، يحتاج إلى نظر‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا رماه بلوط أو وزنا، حدَّ أو بهيمة، أدب؛ لأن آتي البهيمة لا يحد، وإن قذفهما، ثم أقام بينة أنهما زنيا حالة الصبا أو الكفر، حد؛ لأن هذا ليس بزنا، وإن قال لهما وقد عتقا‏:‏ زينتما حال رقمكا، أو قال‏:‏ يا زانيًا، ثم أقام بينة أنهما زنيا حالة رقه، لم يحد؛ لأنه في الرق زنى، فإن لم يقم بينة، حد لكذبه ظاهرًا‏.‏ ومن رمى واطئ أمة يحلقه بذلك النسب، أو امرأته حائضًا، حد القاذف؛ لأن هذا ليس بزنى‏.‏ وإن قال لامرأة‏:‏ يا زانية، فقالت‏:‏ بك زنيت، حدت للزنا وللقذف، للاعتراف، إلا أن ترجع فتحد القذف‏.‏ لا يحد الرجل؛ لأنها صدقته‏.‏ أو قال‏:‏ يا ابن الزانية، وقال‏:‏ أردت جدة له لأمه، وقد عرفت بذلك، حلف‏:‏ ما أراد غيرها، ويعزر للأذية، ولا يحد؛ لأن المقول له يصدق عليه أنه ابن جدته، وكل من أدنى زانية، نكل‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن قال‏:‏ يا لوطي، أو يا فاعل فعل قوم لوط، حد، وليس للقاذف تحليف المقذوف، ما زنى‏.‏ وإن علم المقذوف من نفسه أنه زنى، فحلال له أن يحد؛ لأنه أفسد عرضه‏.‏ قال أشهب‏:‏ إن قال‏:‏ زنيت في صغرك أو رقك، في غير مشاتمة، لم يحد، وإلا حد إلا أن يقيم بينة‏.‏ وإن قال‏:‏ زنيت مستكرها، حد، إلا أن يقيم بينة‏.‏ وفي الموازية‏:‏ يحد وإن أقام بينة؛ لأنها ليست بذلك زانية‏.‏ ومن قذف مستكرهة، حد، وإن قال‏:‏ كنت في نصرانيتك قذفتك بالزنا، فإن كان إنما سألها العفو‏.‏ أو أخبر به على وجه الندم، لم يحد، وإن لم يعلم له عذر، حد‏.‏

وقال أشهب‏:‏ إن كان في مشاتمة حد، وإلا فلا؛ لعدم النكاية بذلك، وإن وطئ أمة له مجوسية فقذفه، أحد الزنا حد؛ لأنه يحد من وطئ المجوسية، وإن قال لمجنون حال جنونه‏:‏ يا زان، حد‏.‏ قال محمد‏:‏ إلا أن يكون مجنونًا من الصغر إلى الكبر لم يفق؛ لأنه لا يلحقه اسم الزنا حينئذ، وإذا قال‏:‏ يا زانية، فقالت‏:‏ بك زنيت‏.‏ قال أشهب‏:‏ لا تحد إن قالت‏:‏ إنما أردت المجاوبة دون القذف والإقرار بالزنا، فيجلد الرجل ولا تجلد هي لزنا ولا قذف‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ يحد كل واحد لصاحبه، وإن قالت ذلك؛ لأن كل واحد قاذف الآخر لا مصدق له‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ إن قال ذلك لامرأته، فقالت له‏:‏ بك زنيت، لا شيء عليها؛ لأنها تقول‏:‏ أردت إصابته إياي بالنكاح، أي‏:‏ إن كنت زنيت فبك، ولا حد عليه هو ولا لعان‏.‏ وإن قال له‏:‏ يا زان، فقال له الآخر‏:‏ أنت أزنى مني، فعليهما الحد‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ قال أصبغ‏:‏ أزني مني، إقرار بالزنا، ومحمله محمل الرد لما قاله‏.‏ وفي النوادر‏:‏ يا ذا الذي تزعم المرأة أنه اغتصبها، أو الصبي أنه نكحه، إن قاله في مشاتمة، حد، وزنى فرجك أو دبرك، يحد، وإن قال‏:‏ من يقول كذا فهو ابن زانية، فيقول رجل‏:‏ أنا قلته، فإن قامت بينة أنه قاله، حد له، وإلا فلا ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏.‏ قال مالك‏:‏ إن لم يكن فلان أصلح منك، فأنت ابن زانية إن أقام بينة أنه أصلح منه، نكل للأذية، وإلا حد للقذف‏.‏ قال سحنون‏:‏ إن قال‏:‏ إن لم يكن عبدي خيرًا منك، فأنت ابن عشرة آلاف زانية، حد؛ لأن العبد لا يكون خيرًا من الحر‏.‏ وفي الموازية، يا ذا الذي جده نصراني، فقال‏:‏ إن كان جدي نصرانيًا، فأنت ابن زانية، فوجد جده نصرانيًا، حلف أنه أراده، ويؤدب‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ من شهد علي، فهو ابن زانية، فشهد عليه رجل، حد القائل‏.‏ قال مالك‏:‏ إن قال قبل أن يرميه أحد‏:‏ من رماني منكم، فهو ابن الزانية، فرماه أحدهم، لم يحد، ويعزر، وكذلك من لبس ثوبي، أو ركب دابتي، يريد‏:‏ من فعله في المستقبل، وإن أراد من قد كان فعله قبل قوله، حد وإن كان قذفه لم يفعل مستقبلاً مالا يملك المقذوف منعه منه، فإنه يحد قبل الفعل إن كان من الأمور العامة، كدخول المسجد والحمام‏.‏ وإن كان خاصًا كركوب دابة، فلا يحد حتى يفعل أحد ذلك‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إن قال للرجل‏:‏ يا زانية بالتاء، وللمرأة بغير تاء، حد‏.‏

فرع‏:‏

إن قال‏:‏ زني فرجك، أو عينك أو يدك، حد عند ابن القاسم‏.‏ وقال أشهب‏:‏ لا يحد؛ لأنه كذب، إلا على وجه المجاز‏.‏